إنه مستحيل
جملة كانت ومازالت وستكون قيدا شرسا يكبل إبداعات آية.
من هي آية ؟ سؤال جيد!!؟
آية هي طفلة من فئة ذوي الإعاقة عمرها 16 سنة ، تدرس سنة تاسعة من التعليم الأساسية بالمدرسة الإعدادية بالمنشية وتعيش في أحضان عائلتها الفقيرة.
أنا الآن أكتب هذا التعريف ضاحكة !!أجل ضاحكة لأنه تعريف خاطئ و ليس لديه علاقة ببطلة قصتنا اليوم ..
آية بن حامد من فلسفة المجتمع يعتبرونها من فئة ذوي الإعاقة وكذلك من السخرية ينظرون إليها بعين الشفقة وهي جالسة على الكرسي المتحرك إلا أنها في الواقع تمشي، يعتبرون عمرها لا يتجاوز سنة عشرة سنة إلا أن عمرها يفوق السنين، يعتبرونها من عائلة فقيرة إلا أن عائلتها من أغنى أغنياء البلدة لا لا بل الجهة لا لا لا أقصد العالم بأسره.

كيف ؟!!أنت عزيزي القارئ لم تفهم شئ !!
يوم الخميس 11آذار (مارس) انتهت السنة الدراسية لسنة 2019/2020 ، بمنطقنا نحن كتلاميذ بدأت العطلة و المرح والفرح و الهزج متجاهلين أن سبب هذا التوقف المفاجئ لنسق الدراسة هو فيروس كورونا عفانا وعفاكم الله.
“COVID19” آفة فتكت بشعوب الصين ، إيطاليا ، روسيا ،إيران و حتى “رئيسة العصابة” لم تأمن من شر هذا الوباء وحتى غطرسة عمنا ترامب كسرتها لا أقصد الإهانة و لكن لكل مقال مقام.
ما علينا بما يحصل في أعلى الهرم هناك ما يهمنا حتى في قاعدته فالقمة لا تعني النجاح حيث أن الهرم أصلا قاعدته أكبرمن قمته بكثير….
تسافر إلى تونس، موطني العزيز، موطن بسيط، هادئ و جميل و جميل أقصد بها رائع… كان هو أيضا من ضحايا
فيروس كورونا، أصاب جاليته بالخارج و بسبب الاستهتار انتقلت العدوى إلى داخل تونس و إلى كل الجهات تقريبا،
وللأسف ولاية ڨبلي كانت من بين الضحايا الأكثر تضررا من هذه الآفة و كما معلم أن مواردنا البشرية و المادية ضعيفة
إلى حد ما.. لذلك فإن سلاحنا ضد هذا الوباء غير جاهز يعني الكفة لصالح الفيروس للأسف وهنا يكون التحدي!!
إصابة ،اثنتان ، ثلاثة …. والنسق في تصاعد مستمر و لا الوزارة و لا السلطات المختصة ولا الأطباء قادرون على
إيجاد حل لهذه الكارثة.

المعركة قوية، خصم العالم جسم لا يُرى ولا يُلْمَسُ و كذلك ينتقل بسرعة جنونية …. نحن أمام المعجزة!!
نرجع قليلا بما استهللنا به قصتنا ، تحدثنا عن فتاة تدعى آية .
آية في الوقت الذي كان الأطفال فيه يلعبون ويمرحون هي كانت أتابع الأخبار وكل المستجدات، تقرأ الجرائد و تدرك كل ما يجري إدراكا جيدا، كان من سمات شخصيتها القوية أنها فتاة مسؤولة و تحب مساعدة الآخرين و خاصة كل محتاج و كل مستاء وكل مهموم وكانت تحب وطنها و تعشق ترابه و تعتز بانتمائها له. كانت دائما مستاءة من الوضع الحالي وتحاول أن تجد أي شئ تفعله لكي تساعد به على الأقل أبناء جهتها كانت دائما تقول لي:”أريد أن أساعد.” صدى هذه الكلمات مازال في رأسي إلى الآن … إلا أن شبح المجتمع كان للأسف يخبئ وراءه دائما مثل هذه الشموع .. و يطفئها ..
” لا أنت لا تستطيعين ! كيف لفتاة مقعدة مثلك أن تساعد !؟ ساعدي نفسك أولا عزيزتي!” هذا هو رد المجتمع على حبها للمبادرة أتعرفون هاهنا تعرضنا لأول مقومات الفشل في مجتمعنا التونسي و هو التعجيز نحن شعب لا نعترف بالمجهود و نضع دائما حدودا لإبداعاتنا لنغلق هذا القوس و نكمل في قصتنا…
كان قعودها في كرسي متحرك يساوي عجزها في تقديم المساعدة خاصة في مثل هذا الوضع، إلا أنها كانت صماء تجاه هذه الأحاديث الساخرة …. كان تسمع فقط صوتا نقيا آتٍ من قلبها يدعمها: “إنهضي يا آية ! لماذا تأبهين بالضجيج الذي حولك!؟ كله كلام فارغ !ظللت تسمعينه لسنوات وهو يتردد ! ألم تدركي بعد أن هذا مرض أقوى من مرض إقعادك في هذا الكرسي ! إنه كلام الناس داء بلا دواء ! هيا إنهضي وقفي مالذي تنتظرينه إبدئي في التفكير و التخطيط و الله المستعان.”..
كان يقينها بالنجاح أقوى من ظنها بالعجز .. صوت باطنها الداخلي دائما ما يدفعها للأمام … بقيت أياما و هي ممعنة في التفكير ، كيف و لماذا سوف تساعد و الأهم كيف!!؟
أجل إنها فكرة رائعة و سوف تساعد بشكل كبير في حل هذه الأزمة! أبقيتم حائرين ؟ ماهي الفكرة يا ترى؟
لن أُتْعِبَكُمْ معي كثيرا !! كانت فكرتها تتمثل في مشروع خياطة كمامات من القماش و توزيعها حول كامل جهات ولاية ڨبلي قَصْدَ منع انتشار الفيروس و حماية لمساكني ولاية ڨبلي من شر هذا الوباء خاصة بعد تفاقم الوضع…..
كانت عائلتها تملك آلة خياطة قديمة و لكنها صالحة للاستعمال اشترت القماش بمال ادخرته لمصاريف علاجها و
خصصت الليل و النهار ، النور و الظلام و هي تعمل لخياطة الكمامات خياطة جيدة و حسب المواصلات المنصوص
عليها عالميا (أقصد حسب منظمة الصحة العالمية).
لم تأبه بحرارة جهنم و هي تنفث النار على جسدها الضعيف و لم تحس بظلمة الليل الحالك ووحشته ، كانت تراقب تلك الأقمشة و هي تخرج من تحت يديها كمامات بألوان زاهية ، متقنة الخياطة.
سبعة أيام بالتمام و الكمال ، عمل بلا كلل أو ملل أو اعتراف بالتعب ، كلها اجتهاد و جهاد من أجل محاربة هذه الجائحة و حبا لمساعدة الآخرين .
كانت أكوام الكمامات تتكدس شيئا فشيئا العمل شارف على الانتهاء .. يوم الاثنين 4 ماي2020 انتهى العمل كل شيء
جاهز ما عليها سوى توزيعها و لكن كيف!؟
أفكار بطلتنا الصغيرة لا تقف فقد قامت بعقد اتفاق مع جمعية الهلال الأحمر التونسي لضمان توزيع الكمامات على كامل الجهة و خاصة ذوي الدخل المحدود ، والشكر الجزيل للمتطوعين من هذه الجمعية الذين قاموا بهذه المهمة على أكمل وجه فقد قاموا بتوزيعها توزيعا مضبوطا حسب الأولوية والحاجة.
و بذلك أضاءت فتاتنا الصغيرة ركنا مظلما في هذه الجائحة و رسمت بداية طريق النجاة و ساهمت في حماية بلادها رغم ما كانت تعانيه من ظروف قاسية .. تحدت عجزها و صنعت منه معجزة و أسكتت أفواه التافهين و صنعت من الضجيج لحنا و أغنية تطرب لها الآذان.
رغم هذا لم تغطي وسائل الإعلان هذا الحدث و لم تهتم به و كأنه أمر لا يعنيها ،فحقا من سيأبه بفتاة صغيرة مقعدة هم
فقط يبحثون عن النجوم و الوجوه البارزة لتزيين الشاشة و كسب المال … أصلاً من هذه الزهور الموجودة في الركن لا يراها إلا ثاقب النظر ،طاهر القلب .
والآن هل علمتم لماذا ذكرت سلفا أن آية بنت مقعدة لكنها تمشي لأنها بادرت و ساعدت وحاولت بينما كنت يا أخي القارئ نائم مطمئن في منزلك ،و هي صحيح أنها صغير العمر إلا أن عقلها يتجاوز عمره الستين و هي ليست فقيرة بل غنية بالصبر و التحدي والنجاح .
هذا هو المثل الأعلى الذي يجب أن نقتدي به و نحاول أن نستخرج من قصتها مغزًى … هي تحدت و نجحت فلماذا أنت لا تحاول و تنجح …
فكر و أعملْ فوجودك يُثبتُ بتفكيرك وعملك لا بغطرستك و كلامك و إيمانك بالعجز … و ٱسمعْ قلبك هو دليلك …. وأكتب في طريقك لا يوجد مستحيل هكذا ستكسب دنياك و آخرتك….
سناء البكوش