انتظمت يوم الجمعة غرة اكتوبر بقصر سعيد ندوة بعنوان “الفلسفة الموجهة للطفل” وقد حضرها ثلة من الاساتذه الذين قاموا بتقديم مداخلات متنوعة تطرقت لاوجه مختلفه للمسألة.
تعددت مقاربات المسألة لكن الهدف واحد هو كيف يمكن للفلسفة ان تتوجه نحو الأطفال، حينما نبدأ في طرح الفكرة تعترضنا مشاكل عديده منها نظرة الفلاسفة للطفل ونظرة التراث له كذلك، فنجد اهمالا واضحا وممنهجا، لو شئنا التعبير، من عديد فلسفات للطفل، من الفلسفات الاولى (افلاطون، سقراط …) او حتى الفلسفات الحديثة (رسو، كانط …) ولم يغب التراث واللغة عن هذا الإقصاء فتسميت “الطفل” باللغة العربية او “enfant” بالفرنسية التي يعود اصلاها الى كلمة اللاتنية “infans” وتعني التسميات بلغاتها المختلفة الغير قادر على الكلام او الأبكم او الذي لا يتكلم، وهنا يبدوا لنا أن الحضارات بالإختلافها إتفقت على اسكات الطفل وإقصائه من الشأن العام، فكما أبعدت الديمقراطية اليونانية الأطفال من “أغورا¹ Agora” كانت كل الحضارات والثقافات الأخرى.

لماذا نحتاج اذا الى فلسفة موجهة للأطفال واليافعين.ات ؟
انّ ما نعيشه اليوم من مظاهر التطرف الفكري والديني والنزعة الإقصائية للاخر ورفض الاختلاف وانعدام ثقافة الحوار والنقاش واللجوء للعنف و الدغمائية والتعصب يحتاج حقا الى آلية أو وسيلة تقدر على ابعاد الأطفال واليافعين.ات عن كل هذه المشاكل وبدون شك ان التفكير الفلسفي هو من اهم آليات التفكير التي بإمكانها اخراج الإنسان عامة من مستنقع التطرف والعنف والإقصاء ودعم ثقافة الإنفتاح على اخر والحوار، ولكن لا بد للفلسفة ان تتجاوز تاريخها الذي اقصى الأطفال وان تذهب في نهج تشاركي يشرك الطفل واليافع.ة بصفة فعلية خارج اطار تلك العلاقة العمودية القائمة على التسلط.
الفلسفة الموجه للأطفال مسألة مهمة جدا نحو تكوين مجتمع قادر على التفكير والتعايش السلمي بمختلف مكوناته وتقرير مصيره بكل وعي خارج عن إطار التبعية العمياء والدغمائية من اجل تكوين مواطن.ة حقيق.ة سوي.ة مستقل.ة فكريا.
أي فلسفة ستتوجه للأطفال واليافعين.ات ؟
هل سنعلم الأطفال واليافعين.ات فلسفة الفلاسفه ام سنعلمهم الفلسفة بما هي منهج تفكير (التفلسف) ؟ يجيب عن هذا السؤال أساتذه بأنه سيتم اخراج الفلسفة من طبعها الاكاديمي الذي لا يتوافق مع قدرات الأطفال واليافعين.ات النامية بل سيذهبون نحو تعليمهم آليات التفكير عبر تعليمهم طريقة طرح السؤال والحجاج الفلسفي والبحث والنقد والشك في المسلمات، هو اذا العمل على تمرين العقول على التفكير والبحث هو النقد وشكل من اشكال دمقرطة الفلسفة عبر اخراجها من فضائها النخبوي الضيق وايصالها الى كل فئات المجتمع كل عبر قدراته المعرفية والنمائية.

الفلسفة والمجتمع
لا يزال مصطلح الفلسفة يشكل حالة من رعب داخل المجتمع وهذا ما تأكد لي حين ما قرأت كمية التعليقات، على هذا الخبر، مستنكره لهذه الفكرة “بش تعلمهم الالحاد … بش تمرضو الصغار … تحبو تهلكو مجتمع …” والى اخره من التعاليق المختلفه التي تأكد وجود فئة هامة من المجتمع تنبذ الفلسفة كعلم او كشكل من اشكال التفكير، فلا يزال حراس التقاليد يخيفون المجتمع من التفكير والنقد والبحث ويزالون يعملون على تنميط المجتمع قدر الإمكان من أجل السيطرة عليه، فالتفكير عنوان مخيف يزعج من يستغل جهل الناس ودغمائيته ونزاعتهم الدنية والعرقية وغيرها، ومن جانب أخر هناك نداء لأهل الفلسفة ان ينزلوا من برجهم العاجي وان يتوجه نحن تبسيط وتنوير العقول ومسح الأخطاء الشائعة التي رسمها أعداء هذا الفكر من اجل ايضاح الصورة لدى ناس ومساعدتهم على التفكير واتخاذ مواقف بكل حرية وبكل استقلالية، واقناعهم بضرورة خروج الأطفال واليافعين.ات للشأن العام من اجل دعم قدراتهم ومواهبهم وتكوين مواطنين.ات قادرين.ات على التفكير وتقرير مصير هذا الوطن.
¹أغور Agora هي الساحة العامة عند الإغريق
مقال لليافع أحمد بوغندة